عنوانًا ورمزًا لتشرد الشعب العربي الفلسطيني ومعاناته وصموده وتشتته، نتيجةً وبعد النكبة التي حلّت به عام 1048م، فقد وجد المرحوم نفسه بعيدًا عن الأرض والوطن، ولكن رغم كل ذلك فقد تعلّم في فلسطين، ثم عاش في الزبداني في سوريا، ثم انتقل إلى مدينة إربد شمالي الأردن.
ولد المرحوم العم أبو رياض في عام 1913م ونشأ وتعلّم في مدرسة الطيبة ثم واصل دراسته في طولكرم في المدرسة الثانوية ثم أكمل دراسته في كليّة خضوري في طولكرم ثم واصل تعليمه في كليّة تراسنطة في القدس، وبعد ذلك عمل في سلك التعليم ثم أصبح مديرًا لإحدى المدارس في صرفند.
تزوج في عام 1945 من المرحومة لمياء أمين صلاح وسكن فترة من الزمن بعد زواجه مع أخيه أبو وسام في دار أبو خلدون في الطيبة، وكان معروفًا في شبابه بحبه للرياضة ولكرة القدم ، وكان بارزًا ومتفوقًا في هذا المجال ، وتقدم على منافسيه.
وفي عام 1948م كان يسكن في طولكرم، وعندما ضربت القوات اليهودية المدينة سافر إلى الزبداني في سوريا مع زوجته التي أنجبت له ثلاث فتيات هن روضة وسلمى وفدوى، وفي سنة 1953م سافر إلى مدينة إربد شمالي الأردن، واستقر فيها، حيث بنى فيها بيتًا وعمل كمفتش لوقاية النباتات في وزارة الزراعة الأردنية، وهناك أنجب ابنه الوحيد رياض.
أحب العلم والتعليم لذلك اهتم بتربية
أولاده وتعليمه فأنهوا دراستهم الثانوية بنجاح وامتياز، روضة أكملت تعليمها
الجامعي في موضوع الكيمياء في الجامعة الأمريكية في بيروت وحصلت على شهادة
الماجستير في هذا الموضوع في عام 1975م، وسلمى درست موضوع البيولوجيا في الجامعة
الأردنية في عمان وتخرجت عام 1973م ثم واصلت تعليمها إلى أن حصلت على شهادة
الدكتوراة بامتياز في موضوع التربية في جامعة الشرق الأوسط الفنية في أنقرة، وفدوى
تعلمت وأنهت دراستها في الجامعة الأردنية في عمان ودرست موضوع المحاسبة وحصلت على
شهادة ال B.A. ، ورياض تعلم الهندسة الكهربائية في بغداد.
ورغم كل ذلك، ورغم بعده عن أرض الوطن فقد تمسك
بهويته العربية الفلسطينية وبجذوره وانتمائه إلى بلده وشعبه وإخوته وأخواته، وكان
دائمًا حريصًا على أن يلقاهم متى سنحت له الفرصة بذلك، سواء كان ذلك في أوروبا أو
في أرض الوطن في بوابة مندلبوم في القدس، وعندما فتحت الحدود وسُمح لسكان الأردن
الفلسطينيين أن يزوروا الضفة الغربية وأن يحصلوا على هويتها ويزورون الطيبة ،
الأهل والأقارب، كم كان سعيدًا ومشتاقًا لأهله ووطنه، وفي المرّة الأولى لزيارته
لأرض الوطن، أخذ حفنةً من التراب الفلسطيني واحتفظ بها، وهي ما زالت موجودة إلى
يومنا هذا.
وما أذكره عندما كنت
صغيرًا، كنت أسمع تاتا تقول "الله يرضى عليك يا زكي يا ابن بطني" وعندها
كنت أحاسبها "هل تحبيه أكثر من أبي؟" فتجيبني قائلةً "سئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم أي أبنائك أحب إليك؟ فأجاب : الغائب حتى يعود، والصغير
حتى يكبر، والمريض حتى يشفى"، وموقفٌ آخر سمعته وشاهدته بنفسي هو دار حديث
بين الأخوين أبو رياض وأبو وسام بالنسبة لخطوبة وسام وفدوى فقد رأيت كم كان العم
أبو رياض سعيدًا بهذه الخطوبة لأنها تربطه من جديد بأرض الوطن، وتجسيدًا للعلاقة
بينه وبين إخوته.
أدى العم أبو رياض فريضة
الحج والعمرة أيضًا ، كان ملّمـًا باللغة الإنجليزيّة، متعلّمًأ ومثقفًا وأحب أن
يتعلّم ليس أبناءَه بل اهتم بدراسة أقربائه، فكان كلما يكون في الطيبة يسألني أين
وصلت في دراستك وتعليمك؟.أذكر أن أبي كان يحدثني أنّه كان يحاسبه إذا قصّر في
دروسه، ويضربه بالقلم فهو أحبّ العلم والتعليم منذ شبابه. وكان شامخًا وحازمًا وله
مواقف صلبة .
وقد صارعه المرض في سنوات
حياته الأخيرة وتغلّب عليه وتوفي في عمّان يوم 21/10/1993م عن عمر يناهز الثمانين
عامًا.
فقد كان المرحوم أبا رياض
تجسيدًا للقضية الفلسطينية، وتشتّت وابتعد عن الوطن، ورغم أنه سكن وعاش في إربد
إلّا أنّه لم يتنازل أبدًا عن انتمائه وجذوره الوطنيّة والقوميّة.
وما أذكره هو أنّه عند زيارتي
للأردن ذهبت لزيارة قبره في مقبرة سحاب، وتأثرت كثيرًا وسالت نفسي لماذا لم يوارى
التراب في الطيبة بين الأهل والأقارب، ولا شك أنه كان يريد أن يدفن في بلده ووطنه
كما قالت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان:
كفاني أموت على أرضها
وأدفن فيها
وتحت ثراها أدوب وأفنى
وأبعث عشبًا على أرضها
وأبعث زهرةً
تعيشُ بها كفُّ طفلٍ نمته بلادي
كفاني أظلُّ بحضن بلادي
تُرابًا
وعشبًا
وزهرة
هذه قضيّة شعب فلسطين الذي صمد ولم يركع وحافظ على هويته الوطنية وقد تمثلت
في العم المرحوم أبا رياض رحمه الله.
كتب وأعدّ المقال:
بسام أحمد الناشف، الطيبة، السبت 15/1/2005م